...بت أشعر انك تلملمين من داخلي أجزاءك المتناثرة..راغبة في الرحيل ومتعبة..تحاولين جاهدة إضعاف ذاكرتك وتشتيت كل صورة جميلة جمعتنا ببعض..لك ذلك عصفورتي..اهجري غصني وبددي تاريخنا الملحمي بما يحتوي من ضحك وبكاء..من رهبة و رغبة..ومن أمل وألم أيضا..طيري عصفورتي وحلقي بعيدا عن فلكي..عسى أن تجدي روحي في غيري..أدركت ذلك من نظراتك التي كنت ترمقينني بها ذات صباح على ذلك الشاطئ حيث كان الوداع..وكان الاغتيال...اغتيال حب تودد في أن يعيش...
ما أقسى تلك اللحظات التي طعنت فيها بصمتك القاتل,و تجرعت فيها نبرات سكوتك..كم هو ملهب ومحرق ذلك السكون الذي سبق عاصفة الاغتيال..و أجهض طاقة الاحتمال.
..و لا زالت تجتاحني الذكريات اجتياح التتر, تكبلني وتقودني نحو أطلال الماضي..تعذبني بكلمات سمعتها و صور رايتها..و روحا عانقتني يوما..ما زال الألم يقبض أنفاسي و يخنقني..فلم ارث من حبك سوى تلك الصور المتوحشة التي بين الحين و الحين تطعنني لتجعل جروحي أكثر غورا, و لا اعرف كيف أتعامل معها و أنا قد أيقنت إنني لا استطيع حتى تناسيها في ظلمة غيبتك عني.ولست ممن يفقه فقه النسيان و أسلوب احترافه..بل أجدني متقنا لتذكر كل الذكريات و ما اورثتيه لي من الم البعد و حرقة الشوق و لهيب الفراق حيث يغتالني في كل اللحظات وفي كل الزفرات المكتنزة بالآهات الحزينة..
...كم أنا متعب من رحلة البعد العنيدة لعنادك وعنادي الذي قطع كل الأواصر التي كانت بيننا يوما ما..فمزقتنا الفرقة وأنهكتنا الانشقاقات..واغتالنا البعد اغتيال بدون شفقة..و لم يبقى بيننا سوى ذكرياتنا الدفينة التي أبت الاغتيال وقاومت قدر الموت..لنكبتها مرة أخرى ونغتالها لاغتيالنا.
..إنني افتقدك في زمني الجاثم على قبر الحب يا ملاكي الطاهر يا عصفوري المغادر لعشه..و لا زلت أتردد بين الحين و الحين على تلك ألاماكن التي ترعرع فيها شبح ذلك الحب..ماذا دهاك فأنكرت كل شئ و لم تبق منك سوى الاتصالات المبهمة, و أصبحت تتقنين لعبة المغالبة..و الفت أن تنامين دون أن تتجرعي نبرات صوتي المبحوح و المردد لكلمات العشق التي كانت بيننا وما كنت تستطعين النوم دون أن تعاطيها فتملئين بها قلبك المتقلب, و روحك المتمردة..و إرادتك المترددة.
..هل تدركين مدى الاحتراق الذي أعانيه...يا امرأة اتقنت فقد الحب بعد إيجاده..وبعيدا عن سمعك..بعيدا عن بصرك أقاوم سكرات حبك المحتضر داخلي..أتتصورين وتدركين الم قلبي المتعب منقلبك المتقلب..فالمعترف عليه انه كلما مر الزمن فقدت الذاكرة بريق الذكرى..إلا ذكراك يا ذكراي تزداد توهجا ولمعانا واتضاحا..فأجد نفسي مجذوبا من طرفي و من حرفي فانحرف نحو مطامعي الأبدية فيك...إلا إنني ما زلت انتصر في اغتيال رغبة العودة وأجهض الميلاد...
نداءاتك من وراء الحجاب تدفعني للالتفات إليك ولكن فراري منك من ألمي منك...ستبقين أسيرة الذكرى, وسابقي أسير ذكراك وكلانا في اتجاه آخر يسير رغم الاغتيال
علي فوزي ضيف/الجزائر